الخميس، 20 فبراير 2014

ليبيا والانقلابات الفاشلة على الشرعية


خليفة حفتر ومحاولته الفاشلة لاستنساخ انقلاب السيسي


أولًا: للمرة الثالثة محاولة انقلابية في ليبيا، قوام اثنان منها بيانات عبر الفضائيات، وجميعها تشترك في التحريض لإسقاط المؤتمر الوطني الليبي وإسقاط العملية السياسية في ليبيا.
 
ثانيًا: أكبر كتلة في المؤتمر الوطني الليبي هي التحالف الوطني الليبي (وانقلابيو أمس على علاقة بالتحالف أو بعض مسؤوليه)، وتليها كتلة الإخوان وحلفائهم من الإسلاميين والمستقلين، وهنالك كتلة كبيرة من المستقلين، ولا توجد أغلبية مطلقة لأي من هذه الكتل.


مما يجعل المؤتمر غير محسوم لتيار سياسي، إلا أن الحكومة يرأسها علي زيدان من التحالف الوطني، والإخوان كانوا مشاركين بخمسة وزراء في الحكومة وانسحبوا منها مؤخرًا.


مع ذلك فانقلابيو الأمس حملوا "الإخوان المفلسين والجماعات المؤدلجة والمتطرفة" مسؤولية ما يحصل في ليبيا، ووصفوها بأنها الداء وهم (أي الانقلابيون) سيكونوا الدواء.


ثالثًا: البصمة الإماراتية والسعودية (ومن ورائهما أمريكا) واضحة؛ خليفة حفتر صاحب محاولة الانقلاب يوم الجمعة كان من رجال القذافي ثم اختلف معه وهرب إلى أمريكا، وبعد أن اندلعت الثورة الليبية واقتربت من الانتصار عاد إلى ليبيا بحجة مساعدة الثوار.


وبيان حفتر وبيان انقلابيو الأمس (كتيبتي الصواعق والقعقاع) يؤكدان على: حل المؤتمر، والكلام باسم الشعب وإرادته (نفس أسلوب السيسي الذي خططت له الإمارات)، وهجوم شرس على الإخوان (مطلب إماراتي آخر).


 
كما لا ننسى الأسلوب السعودي في تخريب دول الربيع العربي: دعم غير علني لجماعات سلفية مهمتها تنفير عموم الناس من الإسلام، وبعدها دعم علني للعلمانيين واتباع الغرب وتقديمهم على أنهم المنقذون.




رابعًا: ما الذي يريده الانقلابيون؟ المؤتمر الوطني قبل بمطلب إجراء انتخابات مبكرة، والموجودون في الحكم هم أصدقاء الانقلابيين، لكن الاتهام يوجه إلى الإخوان والإسلاميين، فلماذا كل ذلك؟


باختصار لأن هنالك التقاء مصالح بين: مجموعة من المغامرين داخل ليبيا الذين يريدون القفز إلى الحكم بالقوة، وإعادة إنتاج نظام شبيه بنظام القذافي، وبين الأنظمة العربية وأمريكا الذين يريدون هدم أي عملية ديموقراطية في ليبيا، وذلك من أجل إفشال الربيع العربي ووأده.


خامسًا: تأتي محاولات الانقلاب في ليبيا امتدادًا لمحاولات عدة: في تونس، وفي مصر، وفي غزة، وتركيا، وكلها تأتي بتمويل ودعم من نفس الدول وتحريض من نفس الفضائيات، وكلها تشترك بمحاربة الإسلام والهوية الإسلامية والرغبة بالعودة بعقارب الساعة إلى الوراء: حكم المستبد الفاسد الذي يدور في فلك أمريكا.


وكل هذه المحاولات فشلت حتى الآن، باستثناء النجاح في مصر، وهو نجاح غير محسوم ولا نهائي وبالإمكان إجهاضه، لكن الإصرار على استنساخها مرارًا وتكرارًا يدل على أن داعمي الانقلابات ينظرون إليها على أنها مصيرية حتى لا يفقدوا المنطقة العربية.


سادسًا: غالبية ثوار وساسة ليبيا وقفوا ضد محاولات الانقلاب والتحريض على الانقلاب، رغم أن الكثير منهم ضد المؤتمر الوطني وضد الحكومة ولا يعجبهم أداءها، لكن لا يريدون استبدال السيء بأسوأ، فمليون يوم في ظل الفوضى ولا يوم واحد في ظل حكم العسكر.


لقد تعلموا الدرس من سنوات حكم القذافي كما تعلموا الدرس من "ثورة 30 يونيو" المزعومة: لا يوجد انقلاب عسكري على سلطة منتخبة يأتي منه خير.


سابعًا: يرسخ الليبيون اليوم مفهومًا في غاية الأهمية، وهو أن "السلطة المنتخبة لا تستبدل إلا بسلطة منتخبة"، وإن استطاعت ليبيا المرور من عنق زجاجة الانقلابات بسلام، فستكون نموذجًا يقتدى به في عالمنا العربي.


ليس لأن الوضع في ليبيا مثاليًا، وليس مطلوبًا أن يصبح مثاليًا في يوم وليلة، لكن المطلوب أن يتعلم الناس كيف يحلوا مشاكلهم بطريقة صحيحة، والاحتكام لصندوق الاقتراع ورفض الاحتكام لمنطق الانقلابات هو الطريق الصحيح.


ثامنًا: الحق بدون قوة لن ينتصر، وثوار ليبيا الذين وقفوا بحزم ضد المحاولات الانقلابية، هم ضمانة ثورتهم، لكن لا يجوز أن تصبح القوة هي الشريعة والحكم وصاحب القرار، وإلا ارتددنا إلى عصر الاستبداد.


تاسعًا: على الأغلب ستفشل كل هذه المحاولات لما نراه من وعي ليبي ومن قوة تحمي الثورة، لكن هنالك احتمال ضعيف جدًا لنجاح أحد الانقلابات، وهنالك احتمال ثالث وارد وهو أن تتسبب محاولات الانقلاب بجر ليبيا إلى مستنقع حرب أهلية.


وبالنسبة لداعمي الانقلابات من الخارج فهم يعلمون أن نجاح الانقلاب شبه مستحيل، لكن يفعلون ذلك على أمل إغراق ليبيا في اقتتال أهلي، يفشل الربيع العربي ويحمي منظومة الاستبداد العربي ومصالح أمريكا.

ليست هناك تعليقات: