الأربعاء، 5 مارس 2014

صورة وتعليق: منع داخلية غزة للمتظاهرين من اجتياز السياج الحدودي


 
تظهر الصورة رجال شرطة من حكومة غزة وهم يلحقون شبانًا حاولوا الاقتراب من السياج الحدودي مع فلسطين المحتلة عام 1948م، وذلك خلال فعالية احتجاجية استجابة لدعوة ائتلاف شباب الانتفاضة.

وهي أصبحت ضمن فعاليات دورية (أيام الجمعة غالبًا) عند المناطق الحدودية، وأثارت هذه الصور وفكرة أن حكومة المقاومة تمنع الشبان من مواجهة الاحتلال بصدورهم العارية ضجة وجدلًا، والكثير من المزايدات والمقارنات الخاطئة.

ولعل الخلل الذي انطلقت منه أغلب النقاشات يأتي من أحد أمرين: المزايدات وتصيد المواقف من قبل خصوم حماس الحريصين على إظهارها بمظهر عدو المقاومة الذي يريد الحفاظ على "الكرسي" وأنها لا تختلف عن سلطة أوسلو وغيرها من الاتهامات المعلبة والمهيئة لإطلاقها بمناسبة وبدون مناسبة.

والأمر الآخر هو الانسياق وراء الصور النمطية التي يعممها الإعلام: فتح مع المقاومة الشعبية، وحماس مع المقاومة المسلحة، وبما أن حماس لا تؤمن بالمقاومة الشعبية (حسب الصورة النمطية) فهي ستقمع مثل هذه النشاطات الشعبية، وربما ينجر مؤيدو حماس وراء هذه الصورة النمطية ويبدأ بمهاجمة المتظاهرين ومهاجمة الفعالية ووصفها بالعبثية وعديمة الجدوى (متشبهًا من حيث لا يدري بمحمود عباس ومدرسته التي ترى في أي فعل مقاوم عبثية).
 
وحتى نخرج من إطار المزايدات وتراشق الاتهامات يجب دراسة الحادثة كما حصلت بدون الأحكام الجاهزة والمعلبة، ويجب البحث عن حلول (بدلًا من الاكتفاء بلوم هذا الطرف أو ذاك وتحميله مآسي الشعب الفلسطيني منذ مجزرة دير ياسين كما هي عادة المزايدات السياسية).

وهنا لا بد من التأكيد على أن حركة حماس تؤمن بالمقاومة الشعبية وذلك منذ الانتفاضة الأولى وتأسيسها لجهاز السواعد الرامية كذراع للحركة مشارك في رشق الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة وكافة أشكال المقاومة الشعبية، ومرورًا بمحطات عديدة.

خالد مشعل تبنى تفعيل المقاومة الشعبية منذ أواخر عام 2011م

وكان خالد مشعل قد أعلن في شهر كانون أول (12) من عام 2011م أنه اتفق مع محمود عباس على تفعيل المقاومة الشعبية والتركيز عليها (لكن يبدو أن لكل منهما تعريفه الخاص بالمقاومة الشعبية)، واليوم حماس تبدو حريصة على استغلال المقاومة الشعبية وتفعيلها سواء في غزة أو في الضفة الغربية، وذلك ليس كبديل للمقاومة المسلحة بل كرديف لها في ظل وجود اختلال كبير بالقوة بيننا وبين الاحتلال مما يتطلب استغلال كل فرصة ممكنة لمقاومة الاحتلال وكافة أشكال ووسائل المقاومة.

وضمن هذا السياق تأتي مظاهرات ائتلاف شباب الانتفاضة الأسبوعية عند حدود غزة وعند المناطق الحدودية، وهي تهدف بالدرجة الأولى إلى كسر المنطقة العازلة التي يحاول الاحتلال فرضها داخل أراضي قطاع غزة، ورغم أن اتفاقية وقف حرب حجارة السجيل قد نصت على إلغائها إلا أن الاحتلال يحاول بشكل شبه دائم إعادة فرضها كأمر الواقع.

كما هنالك أهدافًا مرادفة فيما يبدو لذلك وهو تعزيز زخم المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والتي تتصاعد بشكل بطيء وخجول، ويرى القائمون على النشاطات في غزة أن مؤازرة الضفة من خلال هكذا مسيرات ممكن أن يشكل تشجيعًا تحتاجه المقاومة الشعبية في الضفة.

وفي هذا الإطار كانت حماس (وما زالت) معنية بتسهيل هذه النشاطات والدليل أنها تسمح بها وتدعمها كما تشارك في بعضها بواسطة نشطائها ومؤيديها وأحيانًا بممثلين رسميين، كما أكدت تصريحات قادة الحركة بوضوح على دعم هذه المظاهرات في أكثر من مناسبة.

إذن أين المشكلة ولماذا حصل هذا الأشكال يوم الجمعة؟ تكررت في أكثر من مناسبة أن المتظاهرين توجهوا نحو السياج الحدودي وقاموا بأعمال مثل رفع علم فلسطين أو تخطيه والدخول إلى فلسطين المحتلة عام 1948م ورشق جنود الاحتلال بالحجارة، وكان الاحتلال يرد بقوة مما أدى لوقوع حالات إصابات عديدة وبعضها كانت إصابات خطيرة.

وكالعادة تبدأ ماكنة المزايدات "أين الحكومة تسمح للشبان بالذهاب ليقتلوا ويصابوا؟"، و"إلى متى هذه المظاهرات العبثية؟"، وهي نفس الأصوات التي انتقدت الحكومة عندما حاول رجال الشرطة منع الفتيان من الوصول إلى المناطق الحدودية، وهي نفس الأصوات التي تنتقد عندما لا يوجد أي نشاط وتقول "لماذا حماس تريد انتفاضة شعبية في الضفة ولا تريدها في غزة؟".

والمشكلة كانت في انسياق الحكومة وراء هذه المزايدات، ولا أنفي وجود انتقادات منطقية فليس من المعقول أن يعرض فتى نفسه لخطر الموت من أجل رفع علم، لكن مشكلتنا هي المزايدات لأنه لو فكرنا بدون مزايدات وبدون مرض تشويه الآخرين بأي ثمن لتوصلنا إلى حلول.

المشكلة ليست في الوصول إلى السياج الفاصل أو رشق الجنود بالحجارة أو رفع علم فلسطين على السياج، بل هي في تعرض الشبان لمواقف يكونون معرضين بها للخطر بدون داعي، يمكن التحكم بذلك (نسبيًا) من خلال التنسيق والتوجيه والاحتواء؛ يتقدم الشبان فإن وجهتم بنيران قوية فتراجعوا، ارفعوا علم فلسطين لكن لا تدخلوا فلسطين المحتلة، وهكذا تدارالأمور بالتنسيق مع الشبان.

وذلك بالضبط مثلما فعلت حماس مع التنظيمات المسلحة وإطلاق الصواريخ حيث توصلت إلى تفاهمات معها يضبط آليات المقاومة المسلحة بدون فرض أو قهر، وإن حصل وقرر بعض "الصبية" إطلاق الصواريخ يحاسبون لوحدهم دون تنظيماتهم.

في المقاومة الشعبية هنالك اختلافين أساسيين عن المقاومة المسلحة فيما يتعلق بالتنسيق:

أولًا، تبعات عدم التزام الشاب بما يتم الاتفاق عليه ليست بخطورة إطلاق صاروخ بدون تنسيق، وهي غالبًا ما تنحصر بشخصه، فإن أصر على اجتياز الحدود فحياته وحدها ستتعرض للخطر.

ثانيًا، ضبط مجموعات راشقي الحجارة والمتظاهرين أصعب، كونهم ليسوا تنظيمًا متماسك الأركان يمكن أخذ كلمة من قادته والتفاهم عليها، طبعًا هنالك رؤوس لهذه المجموعات لكنها مجموعات عديدة، وكل منها مكونة من عدد قليل من الأفراد.

وهنا عقدة المشكلة: فهذه المجموعات من الفتيان (وأغلب أعمارهم بين 15 عامًا و21 عامًا)، هي العامود الفقري للمقاومة الشعبية، وبدونها ستصبح المقاومة الشعبية "مسيرات شموع وخطابات جوفاء"، وفي نفس الوقت هي مجموعات يصعب ضبطها أو التحكم بانفعالاتها وتصرفاتها.

وفي رأيي أنه من المحرم التفريط بهذه المجموعات أو المقاومة الشعبية ككل، ففضلًا عن أنها تخدم دورًا هامًا اليوم في الضفة وعلى المناطق الحدودية في غزة، ما يدريك لعل الصهاينة يعيدون احتلال غزة (لا سمح الله) غدًا وتصبح مهمة المقاومة الشعبية وقتها التصدي لهم، وهو إن كان احتمالًا ضعيفًا لكن يجب التخطيط له أيضًا، كما ثبت تاريخيًا أن المقاومة الشعبية كانت البوابة التي يدخل من خلالها العديد من الشبان إلى المقاومة المسلحة.

وعدم التفريط بها يعني عدم الدخول في صدام معهم حتى لو أخطأوا في تكتيكهم أو تصرفوا بشكل متهور وغير مدروس، وتحمل أخطائهم (وهي بمثابة آثار جانبية لعملهم المقاوم) هو أقل سوءًا من محاربتها وكسر نفسيتهم وقتل روح القتال والمقاومة داخلهم، وفي النهاية غالبية أخطائهم هم من سيدفعون ثمنها (برصاص الاحتلال)، وليس غيرهم.

دورة إسعاف أولي لائتلاف شباب الانتفاضة
يمكن توجيههم وتوعيتهم ومحاولة التواصل مع رؤوسهم في الميدان لإرشادهم: "لا تذهبوا إلى ذلك المكان فهو مكشوف"، "لا تأخذوا معكم الأطفال دون 16 عامًا"، وهكذا، وقد قام شباب ائتلاف الانتفاضة بعقد دورات للإسعاف وهذا له دور في التوعية والتوجيه، ويمكن تشكيل ائتلافات غير حزبية بحيث تشكل مظلة لتوجيه وتوعية الفتيان.

وبمعرفتي بطبيعة الفتيان الذي يشاركون بالمقاومة الشعبية فعلى الأغلب لن يتجاوبوا بالشكل المطلوب، لكن لو أنجز القليل على مستوى توعيتهم وتوجيههم فسيكون إنجازًا طيبًا، والمهم هو عدم الدخول في صدام معهم أو كسر نفسياتهم وحماستهم.

طبعًا للحادث والمزايدات المرافقة له آثار سلبية على المقاومة في الضفة لأن السلطة تعتبره حجة لها لتمنع المقاومة الشعبية وغير الشعبية، وتقول مثلما حماس منعت فمن حقي أن أمنع،  طبعًا دون تفرقة بين منع لحالة أو وضع معين وبين منع للمقاومة كلها، وتستخدم مثل هذه الحوادث كأمثلة يغسل بها أدمغة منتسبي أجهزة السلطة الأمنية يتشربونها حد الثمالة.

ليست هناك تعليقات: