الخميس، 24 أبريل 2014

هل بات حل مشكلة المسجد الأقصى وشيكًا؟




عندما أتكلم عن قرب حل مشكلة الأقصى فلا أتكلم عن تحريره فهذا ما زال مشواره طويلًا بدون نقاش، ولا أتكلم عن المشكلة التي تهم السلطة والنظام الأردني ومسؤولي الأوقاف؛ أي الحفاظ على الهدوء في المسجد الأقصى وعدم إغضاب المحتل الصهيوني.

إنما أتكلم عن الاستفراد الصهيوني بالمسجد الأقصى والخطوات المتسارعة نحو اقتسامه مع المسلمين، تمهيدًا للاستيلاء النهائي عليه، والمسجد الأقصى هو لب الصراع على القدس، والقدس هي محور الصراع على فلسطين، وبالتالي كان مرور مخططات الاحتلال خلال السنوات الماضية بدون معارضة ذات بال، مؤشرًا خطيرًا على تقبل الفلسطينيين والعرب والمسلمين لفكرة تهويد الأقصى والقدس.

والمشكلة ليست بحجارة الأقصى ولا مبانيه فقد سبق وأن هدم في زلزال بالعصر العباسي وأعيد بناؤه، وسبق أن حوله الصليبيون إلى مقر لفرسان الهيكل، وحولوا المصلى المرواني إلى إسطبل للخيول، وجاء صلاح الدين وحرره، لكن المشكلة تكمن في أنه إذا مرت هذه الخطوات بدون احتجاج ولا مقاومة فهذا يعني تقبلنا نحن المسلمين أن يكون الأقصى والقدس وفلسطين تحت سيطرة الصهاينة اليهود، ليس قبولًا من حيث المبدأ لكن قبولًا بالأمر الواقع، وهذا ما أسميه التطبيع مع الأمر الواقع.

بكلام آخر تصبح فلسطين مثل الأندلس، ويصبح المسجد الأقصى مثل مساجد قرطبة وغرناطة، مجرد أحلام ضائعة ومرثيات باكية، وبالتالي تموت فينا أي دافعية لتحرير الأقصى وتحرير القدس وتحرير فلسطين وعودة اللاجئين.
 
فحل المشكلة يكمن في رأيي بتحريك الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي من أجل إبقاء دافعية التحرير موجودة داخل كوامن نفوسنا وعقولنا، حتى لا نخسر الأقصى والقدس وفلسطين للأبد.

حماس وقضية المسجد الأقصى:

ومن تتبعي للأحداث والمواقف بالفترة الأخيرة وجدت توجهًا لدى حماس من أجل تحريك قضية القدس شعبيًا، ويمكن لمس ذلك بوضوح من خلال الكم الهائل لتصريحات قيادة الحركة ومواقعها الإخبارية وكتابها، والوقفات الاحتجاجية في غزة.

ورغم أن محاولتها لدفع الأمور في الضفة المحتلة نحو انتفاضة ثالثة لم تؤت ثمارها كما كانت تأمل، إلا أنها استطاعت أن تقدم شيئًا ما على صعيد المسجد الأقصى، طبعًا لا أنسب كل شيء لحماس فهنالك العديد من الشباب المقدسي ممن ليسوا من الحركة ساهموا بحمايته، وهنالك الحركة الإسلامية داخل فلسطين المحتلة عام 1948م (توأم حركة حماس) ودورها المحوري.

وما قامت به حركة حماس خلال الأشهر الماضية أكثر من مجرد تصريحات ومواقف إعلامية، حيث حرصت على توجيه عناصرها على التواجد لأطول قدر ممكن داخل المسجد الأقصى سواء من شباب الضفة أو من شباب القدس، ومن ذلك على سبيل المثال حملة "من حقي أن أصلي بالأقصى" التي أطلقها ثلاثة من قادة الحركة برام الله (جمال الطويل وحسين أبو كويك وفرج رمانة) قبل عدة أشهر، إلا أن الاحتلال سرعان ما اعتقلهم الثلاثة.



ونستطيع بسهولة رؤية بصمات الحركة خلال الأحداث الأخيرة التي حدثت في الأقصى، والتي أرى فيها بشائر حل للمشكلة التي ذكرتها في البداية.


سياسة الاحتلال في الأقصى:

اعتمد الاحتلال سياسة فرض الأمر الواقع بشكل تدريجي، وبطريقة تمتص الغضب العربي والإسلامي وتعويدهم تدريجيًا على تهويد المسجد الأقصى، فمنذ زيارة شارون التي فجرت انتفاضة الأقصى، انتقلوا لإدخال اليهود من أجل الزيارة، ثم من أجل الصلاة، وبدأوا يمهدون لتقسيم الوقت في الأقصى بين اليهود والمسلمين، وهنالك مخططات قريبة التنفيذ من أجل بناء كنيس على أجزاء من الأقصى لكن لن تنفذ إلا بعد أن يعتاد المسلمون على صلاة اليهود داخل الأقصى.

المستوطنون يقفون أمام ما يزعمون أنه مكان الهيكل المزعوم: قبة الصخرة
 
وأتذكر سابقًا عندما كان شباب المسجد الأقصى يرشقون اليهود عند حائط البراق بالحجارة بعد صلاة الجمعة والمواجهات التي ترافق ذلك، كيف كان وصف مسؤولي الأوقاف والسلطة لذلك عمل مشبوه ويعطي الاحتلال حجة ليدخل باحات المسجد الأقصى، كما أرسلت السلطة عناصر من الأمن الوقائي بالتنسيق مع الاحتلال لوقف ضرب الحجارة، وتقريبًا توقفت أعمال رشق الحجارة هذه منذ عام 2010م.

بعد أن أصبحت ساحة البراق آمنة لليهود انتقلوا إلى داخل الأقصى
والنتيجة كانت انتقال الاحتلال إلى داخل المسجد الأقصى وبدأ تسيير أفواج الزوار اليهود، وبدلًا من أن نطالب بتحرير حائط وساحة البراق، أصبحنا نبكي على حال المسجد الأقصى نفسه، ولم تفلح كل عبارات الشجب والاستنكار بردع الصهاينة من دخول الأقصى.

الانتقال بالمواجهة إلى داخل الأقصى:

وفي الأشهر الماضية صدرت دعوات أكثر من مرة للمرابطة في الأقصى من أجل منع دخول اليهود، وبالفعل كان يأتي الشباب وبمواجهات محدودة مع جنود الاحتلال كانوا يتمكنون من منع دخول اليهود، لكن في اليوم التالي وبعد أن يعودوا إلى بيوتهم يأتي الاحتلال ويدخل اليهود.

كان القرار في عيد الفصح اليهودي الذي مر علينا الأسبوع الماضي، بالرباط داخل المسجد الأقصى ومنعهم من الدخول بأي وقت كان، لا قبل العيد ولا أثناءه ولا بعده، وللعلم كان هنالك مخططات يهودية من أجل ذبح القرابين للمرة الأولى داخل الأقصى كخطوة إضافية نحو تهويده.

مخلفات جنود الاحتلال: رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع
زائد مفرقعات نارية استخدمها المرابطون
وقام المرابطون بالتجهز جيدًا للتصدي لاقتحام المسجد الأقصى ورأينا ذلك من خلال كمية الحجارة التي أعدوها واستخدام المفرقعات والألعاب، وأكثر من ذلك كانوا "يتعمدون" التحرش بجنود الاحتلال من خلال المبادرة برشقهم بالحجارة وإلقاء المرفقعات، ورفع الأعلام الخضراء ورايات رابعة وسط الساحات.

والتحرش بجنود الاحتلال لم يكن عبثيًا وربما لاحظنا أيضًا تصعيدًا متزامنًا (لكن محدودًا) على جبهة قطاع غزة من خلال هجمات على دوريات للاحتلال وإطلاق صواريخ، فيبدو لي أن حماس أرادت استفزاز الاحتلال وجره لمربع المواجهة، لأن ذلك وحده ممكن أن يحرك الرأي العام العربي والإسلامي.

فقدرة المرابطين على الصمود محدودة وهم مجرد عشرات (وبأحسن الأحوال مئات) الشباب، لا يستطيعون الصمود طوال الوقت في وجه جيش الاحتلال، وخصوصًا أنه عمد إلى حصار الأقصى ومنع إدخال الطعام إليه، وقام بحجز هويات المصلين وغير ذلك من إجراءات للتضييق.

وعندما خرج المرابطون يوم الجمعة مع المصلين، قام الاحتلال باعتقال عدد كبير منهم من بيوتهم، إلا أنه تمكن غيرهم من دخول الأقصى عبر القفز عن أسواره (والاحتلال اعتقل حوالي ثلاثين شابًا بتهمة محاولة دخول الأقصى) واستنفرت الحركة الإسلامية وجاء الشيخ كمال الخطيب ليكملوا مشوار الرباط ومنعوا اليهود من دخول الأقصى يومي السبت والأحد.


لقد بدأت عجلة المقاومة الإيجابية لاقتحامات الأقصى بالدوران فمنذ الأسبوع الماضي حتى اليوم لم يعد بإمكان اليهود دخول الأقصى بدون مشاكل، وأغلب الاقتحامات لا تدوم لأكثر من دقائق حتى يبدأ المرابطون والمتواجدون بالاحتكاك بالمستوطنين ومحاولة طردهم (بعدما كانوا فيما مضى يكتفون بالتكبير).

أثر مواجهات الأقصى:

دفعت هذه التطورات الميدانية النظام الأردني للتحرك فرأيناه يستدعي السفير الصهيوني، ورأيناه يتعهد بحماية المصلين، رغم أنه طوال سنوات كان شبه ساكت وأخرس، ورأينا مستشار عباس أحمد الرويضي "يحيي المرابطين" في لقاء صحفي رغم أن أغلب اللقاء كان مخصصًا للدفاع عن تهمة التآمر على الأقصى والموجهة للسلطة.

طبعًا لا تخلو هذه التحركات من تواطؤ مع الاحتلال فرأينا بعض مسؤولي الأوقاف مثل عزام الخطيب الذي تكلم الأسبوع الماضي عن صفقة لخروج المرابطين مقابل تعهد الاحتلال بعدم دخول اليهود (وهو التعهد الذي لم نر شيئًا منه)، أو تبجح المستشار الأردني لشؤون القدس عبد الناصر نصار بأن الحكومة الأردنية ضغطت من أجل عدم دخول جنود الاحتلال للأقصى وأنها ضغوطها الديبلوماسية هي التي منعت دخول اليهود للأقصى.

وكله كلام هراء، لأن الاحتلال كان يمنع دخول اليهود من أجل حمايتهم، وفي بعض الحالات كان يسمح بدخولها إلا أنه وفي كل مرة كان يضطر لإخراجهم بسرعة بعد تحرك المرابطين ومهاجمتهم للمستوطنين والجنود الذين يحرسونهم.

استطاعت حماس وغيرها ممن عمل على تفعيل ملف القدس والأقصى جماهيريًا وشعبيًا، وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة تقدمنا نحن (فلسطينيين ومسلمين) خطوة في الأقصى بعد أن كان الاحتلال دائمًا هو الذي يتقدم، وأصبح دخول اليهودي للأقصى غير ممكن بدون مواجهات وبدون أذى، بل نرى توسعًا في مقاومة المستوطنين إلى خارج الأقصى في أزقة البلدة القديمة للقدس، مثل حوادث إلقاء المفرقعات عليهم.

في الختام:

ما نراه خطوة بلا شك إلى الإمام في ملف القدس والأقصى لكنها خطوة صغيرة، ولم ترتق بعد إلى إحداث زخم ذا وزن كبير لا في الضفة ولا على المستوى العربي، لكن بإمكان حماس وكل غيور على الأقصى وفلسطين أن يبني على هذه الخطوة، ولعل الإيجابية الوحيدة في إجراءات المصالحة التي نراها في غزة، أنها تتيح إعلاميًا لمن أراد أن يركز على الأقصى بدلًا من التجاذبات الفلسطينية الداخلية.

ولخطورة الوضع يحرص الاحتلال على عدم تفجير الأوضاع وعدم استخدام القوة المميتة (كما فعل في مجزرة المسجد الأقصى عام 1990م أو عقب زيارة شارون)، لأن الوضع في الضفة والمحيط العربي على حافة انفجار، والصهاينة يحرصون على وأد التحرك بهدوء وبعيدًا عن كاميرات الإعلام.

#كلنا_حماة_الأقصى


ليست هناك تعليقات: