الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

ما الذي أنجزته الانتفاضة الأولى؟




ربما السؤال الأكثر تعقيدًا هو ما الذي أنجزته الانتفاضة الأولى؟ على اعتباره أنها اختتمت بإنشاء السلطة واتفاقيات أوسلو.

إن أردنا أن ننظر إليها كحدث منفرد ومنفصل عن ما قبلها وما بعدها، فهي لم تنجز الكثير، وإن نظرنا لها على أنها حلقة من حلقات مقاومة شعبنا وعملية طويلة للتحرر من الاحتلال الصهيوني فالوضع مختلف تمامًا.

ولا بد من الإشارة إلى أن الاحتلال الصهيوني متجذر في الأرض ويمتلك من الإمكانيات أكثر بكثير مما لدينا، وحتى لو أن جيوش المكرونة العربية استخدمت منظومة الأسلحة المتطورة التي تملكها ضد الكيان (بدلًا من استخدامها ضد شعوبها) فهي كانت ستحتاج إلى زمن وجهد كبيرين.

وأزعم أن المشروع الصهيوني أقوى وأمتن من الاحتلال الصليبي، لذا الظن بأنه يمكن القضاء على الكيان من خلال جولة أو جولتين أو بالضربة القاضية هو وهم، وحتى الاحتلال الصليبي لم يمسح من الوجود بالضربة القاضية.

إذن ننطلق من أن إزالة الكيان الصهيوني يجب أن تتم على مراحل ومن خلال استخدام كافة الوسائل الممكنة، فإن نظرنا إلى الانتفاضة من هذا المنظور يمكن قول الآتي:

أولًا: أوقفت الانتفاضة عملية تهويد غزة والضفة الغربية ووضعت كوابح لذلك، باستثناء مدينة القدس.

ثانيًا: لقد كانت الانتفاضة الأولى تمهيدًا لانتفاضة الأقصى والتي أنجزت تحرير كامل غزة وتفكيك كامل مستوطناتها، وانسحاب الاحتلال من داخل مناطق الكثافة السكانية في الضفة وتفكيك عدد من المستوطنات والمعسكرات بالضفة.
 
ثالثًا: كانت الانتفاضتين سببًا في وقف العمالة الفلسطينية لدى الصهاينة وتقليصها بحجم كبير، وهذه خطوة هامة على طريق التحرر لأنه لا يمكنك أن تهزم عدوًا فيما لقمة عيشك مرهونة بيده.
وعلى الجهة المقابلة ما زال الاحتلال يتحكم بالضرائب وبرواتب السلطة ويستخدمها لخنق أي محاولة لمواجهة الاحتلال، لكن بدلًا من أن يكون خنقًا مباشرًا أصبح خنقًا غير مباشر.

رابعًا: أنقذت القضية الفلسطينية من التصفية والإنهاء، فقبلها كانت المقاومة متوقفة تمامًا، وحركة فتح تتسول التفاوض مع الاحتلال الذي كان يظن أنه ليس بحاجة للمفاوضات لكي ينفذ مخططات التصفية.
صحيح أن الاحتلال وقع اتفاقية أوسلو من أجل تدارك الأمر ووقف المقاومة الصاعدة، وكان من المخطط أن تكون أوسلو الضربة النهائية لتصفية القضية الفلسطينية، لكن انتفاضة الأقصى وحروب غزة الثلاثة وانتفاضة القدس الأخيرة، كلها أثبتت أننا نبتعد أكثر وأكثر عن خطر التصفية.

خامسًا:عودة أكثر من مئة ألف فلسطيني مع منظمة التحرير (أو ما يعرفون بالعائدين) إلى الضفة وغزة، ومنح ما يزيد عن مئة ألف مقيم "غير قانوني" في الضفة وغزة بطاقات هوية، وصحيح أن كثير من العائدين ممن يعملون بالسلطة يلعبون دورًا في التثبيط ومحاربة المقاومة (رغم أنها هي التي أرجعتهم) إلا أننا عندما نتكلم عن الكتلة السكانية بشكل عام فقد صححت عملية العودة الوضع الديموغرافي لصالح الفلسطينيين.

سادسًا: كان هنالك تحسن طفيف على مستوى الخدمات في الضفة وغزة، وبالأخص التعليم والاتصالات والمواصلات، نتيجة انتقال الخدمات من يد الاحتلال إلى إيد فلسطينية، وفي بعض الأحيان كان العكس (مثل الكهرباء في غزة) إلا أن الاتجاه الغالب كان نحو التحسن.
ولولا فساد السلطة وعدم كفائتها لرأينا تحسنًا أكبر، لكن يبقى كله محكوم بسقف الاحتلال، كما لا يجب أن يغيب عن بالنا أن زوال الاحتلال هو الهدف الأول قبل الكلام عن تحسين ظروف المعيشة.

سابعًا: يصعب قياس تأثير الانتفاضات والمقاومة على الاستيطان في فلسطين ككل وفي الضفة وغزة تحديدًا، وخصوصًا عندما نتكلم عن الآثار بعيدة المدى، لكن أستطيع أن أقول أن الجو الذي خلق في فلسطين خلال السنوات السبع وعشرين الأخيرة كان جوًا طاردًا للاستيطان، وأقدّر بأنه لولا الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى والمقاومة لكان لدينا اليوم (بدلًا من 5.25 مليون) حوالي 6 ملايين يهودي في فلسطين.

ثامنًا: ربما لاحظتم أن أكثر النقاط السابقة كانت تقرن الانتفاضة الأولى بانتفاضة الأقصى وما تلاها، وهذا لأننا نتكلم عن عمل تراكمي، وإن لم نكمل طريق المقاومة فمن الممكن أن يضيع كل شيء وبكل سهولة.

ليست هناك تعليقات: