الاثنين، 6 أبريل 2015

القصة الكاملة لمأساة مخيم اليرموك



طوابير الحصول على المساعدات في مخيم اليرموك


من يقاتل من في مخيم اليرموك؟ ومن هو الشريف ومن هو المشبوه؟ وعلى ماذا يتحاربون؟ لعل هذه الأسئلة التي يطرحها أكثر الناس في ظل كثرة الأسماء والمسميات وتسارع الأحداث في مخيم اليرموك، سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة بشكل مختصر ومفهوم قدر الإمكان.

ومن المفيد التأكيد في البداية على وجود ثلاثة أطراف رئيسية متحاربة في مخيم اليرموك: النظام الأسدي والفصائل الفلسطينية الموالية له، وتنظيم أكناف بيت المقدس الفلسطيني وحلفائه من الثوار السوريين، وتنظيم داعش وحليفه جبهة النصرة، لكن قبل الكلام عن الوضع الميداني اليوم سنلقي نظرة على تاريخ المخيم وتطورات الأحداث فيه.


مقدمة عن مخيم اليرموك:

تعود نشأة مخيم اليرموك إلى بداية الخمسينات، وهو أكبر وأهم مخيم فلسطيني في سوريا، مساحته الأصلية كانت 2 كليومتر مربع، ومع قدوم عدد كبير من السوريين إلى المخيم زادت مساحته، وبلغ عدد سكانه قبيل الثورة السورية عام 2011م نصف مليون إنسان، نصفهم من الفلسطينيين والنصف الآخر من السوريين.

ومنذ نشأته كان هنالك اتفاق ضمني على أن يكون للمخيم وضع خاص (ما يشبه الحكم الذاتي) وكان لجميع الفصائل الفلسطينية فيه مقرات، وكان فيه حرية نسبية للعمل السياسي، وبعد اندلاع الثورة (عندما كانت في مرحلتها السلمية) كان العديد من النشطاء السوريين يلجأون إلى المخيم.

وعندما تحولت الثورة إلى المسار المسلح وبحكم الترتيبات الخاصة بالمخيم بقي خارج الصراع، وبذلك أصبح مأوى للعديد من السوريين من الأحياء المجاورة، إلا أنه ومنذ أواخر عام 2012م بدأ الوضع يتغير وبدأت فصائل الثورة السورية بدخول المخيم، واشتبكت مع قوات جبهة أحمد جبريل (القيادة العامة) وطردته من المخيم، وقد أنشق عدد من مقاتليه وجيش التحرير الفلسطيني (التابع للنظام) وبقوا في المخيم مع غيرهم من فصائل الثورة.

ومنذ ذلك الوقت بدأ النظام حصاره للمخيم وخصوصًا منذ شهر آذار 2013م وشدده بشكل أكبر أواخر عام 2014م، وقد جرت أكثر من وساطة لرفع الحصار، وفي مرحلة من المراحل وافقت الفصائل السورية على الخروج مقابل سماح النظام بدخول مساعدات إنسانية، وبعد خروجها بفترة قصيرة عادت جبهة النصرة إلى المخيم بحجة أن النظام لم يلتزم بكل ما تم الاتفاق عليه.

كتائب أكناف بيت المقدس:

تأسس أواخر عام 2012م من أبناء المخيم، وغالبية أفراده من حماس لكن بمبادرة فردية وبدون قرار تنظيمي من الحركة التي تتبع سياسة حصر عملها العسكري داخل فلسطين المحتلة، ويتزعم التنظيم محمد الزغموت (أبو أحمد المشير) وهو مرافق سابق لخالد مشعل، بالإضافة إلى نضال أبو العلا (أبو همام) وهو مرافق سابق لموسى أبو مرزوق، وباختلاف التقديرات يتراوح عدد أفراد الأكناف ما بين 100 و300 مقاتل.

واستغل أفراد الأكناف خبرتهم التي اكتسبوها في معسكرات حماس والتي كانت منتشرة في سوريا قبل الثورة، من أجل تدريب كتائب الثوار في جنوب دمشق، وهذه حسنة لحركة حماس لا يذكرها أحد وفقط يركزون على العلاقة مع النظام من الجانب السلبي.
أبو أحمد المشير قائد أكناف بيت المقدس

وشارك الأكناف في قتال النظام والتنظيمات الفلسطينية الموالية له (جبهة أحمد جبريل وفتح الانتفاضة) في المخيم والتصدي لهم، وتجدون أدناه عدة تسجيلات على اليوتيوب لعمليات لأكناف بيت المقدس ضد النظام الأسدي وحلفائه في المخيم وعلى أطرافه.




جنوب دمشق ومخيم اليرموك:


حتى نفهم حصار مخيم اليرموك يجب إدراك أن المخيم جزء من جيب للثورة السورية جنوب دمشق، ويشمل أحياء وقرى تمتد على شكل مستطيل يبدأ من المعضمية وداريا في الغرب، وأحياء القدم والحجر الأسود ومخيم اليرموك في الوسط، وببيلا وبيت سحم ويلدا في الشرق.

خارطة لأنصار النظام تظهر الوضع الميداني في دمشق
نلحظ المناطق باللونين الأزرق والبني على يسار الخارطة ووسطها
هذه تمثل الجيب الذي يسيطر عليه الثوار جنوب دمشق

وهذا الجيب محاصر بشكل خانق ووضع الثوار فيه هو من أسوأ المناطق في كل سوريا والسلاح الذي يمتلكونه قليل وشحيح جدًا، والأفضلية الوحيدة للثوار على النظام هي تواجدهم في أماكن سكنية مكتظة بالأبنية وهذا يصلح للدفاع لكن لا يصلح للهجوم وفك الحصار.

يوجد فروع لتظيمات مسلحة سورية كبيرة في جنوب دمشق مثل جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة النصرة وداعش، لكنها منفصلة ميدانيًا عن تنظيماتها الأم ولا يصلها الدعم اللازم (ويقال أن داعش تتلقى الدعم من النظام لكن لا أستطيع تأكيد ذلك)، وهنالك عشرات الفصائل والتنظيمات الصغيرة المحلية.

واستغل النظام عزلة هذا الجيب من أجل فرض حصار خانق عليه، مما اضطر الكثير من البلدات والأحياء لعقد هدنة (أو مصالحات كما يسمونها) مع النظام، مقابل السماح بدخول محدود للأغذية والمواد المختلفة (بما يشبه الحصار المفروض على غزة).

والكثير من سكان هذه المناطق هجرها بفعل الحصار والتجويع، وربما مر عليكم عندما كانت المعضمية محاصرة وكان الناس يموتون فيها جوعًا، فلم تحل مشكلتهم إلا بالسماح لأغلب أهل البلدة بالمغادرة، ومخيم اليرموك نفسه انخفض عدد سكانه من نصف مليون إلى حوالي عشرين ألف قبيل هجوم داعش (ويقدر أن نصفهم هرب بعد الهجوم).

وضع مخيم اليرموك في الحصار كان أسوأ من غيره لعدة أسباب:

أولًا: طابع المخيم المديني (نسبة إلى المدينة) فلا يوجد مساحات واسعة للزراعة أو النباتات البرية، عكس البلدات المحاصرة.

ثانيًا: جميع المناطق الأخرى في جنوب دمشق إما أنها عقدت هدنة مع النظام فخف الحصار أو أنها مهجورة السكان ولا يوجد فيها سوى الفصائل المسلحة (مثل الحجر الأسود معقل داعش).

ثالثًا: كان للإعلام دور في إبراز معاناة المخيم لخصوصيته الفلسطينية، أكثر من بعض المناطق التي ربما كانت في مثل مأساته أو أسوأ.

أهمية مخيم اليرموك:


بالإضافة لرمزيته كعاصمة الشتات الفلسطيني (استغل ذلك تنظيم داعش للتحريض العنصري ضد الفلسطينيين)، فهنالك موقعه الاستراتيجي حيث يعتبر هو والأحياء المجاورة بوابة دمشق الجنوبية ويقع على مقربة من طريق درعا دمشق الدولي والذي في حال سقط بيد الثوار، فستصبح الطريق مفتوحة إلى دمشق، بالإضافة إلى قرب المخيم من معقل النظام في السيدة زينب.

الأحداث الأخيرة:


كان وضع المخيم قبل الأحداث الأخيرة عبارة عن حصار شبه مشدد، هنالك مساعدات يسمح النظام بدخولها بالقطارة، واشتباكات متقطعة بين النظام والموالين له، وبين الأكناف وجيش التحرير الفلسطيني الحر وباقي كتائب المخيم، وكانت جبهة النصرة في الجهة الجنوبية للمخيم بعيدًا عن مناطق المواجهة مع النظام.

وكان هنالك محاولات للوساطة لكنها كانت تفشل لأن النظام كان يشترط خروج أكناف بيت المقدس من المخيم، واستبداله بقوات لأحمد جبريل وفتح الانتفاضة وفتح محمود عباس.

وفي خضم كل ذلك بدأت داعش سلسلة اغتيالات في صفوف قادة ميدانيين في الأكناف ونشطاء في المخيم، وآخرهم كان الشهيد يحيى الحوراني وقد كان من أبرز قادة حماس داخل سوريا، وتفرغ للعمل الإغاثي في المخيم.

وأدى ذلك إلى توتر مع الأكناف واعتقال عدد من الأشخاص متهمين باغتيال الشهيد الحوراني، بعدها هاجم تنظيم داعش المخيم انطلاقًا من معقله في الحجر الأسود وهو حي يجاور اليرموك من الجهة الجنوبية، وذلك في الأول من نيسان ودخل المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة والتي يبدو أن فرعها الدمشقي متعاون حتى النخاع مع داعش.

وانطلاقًا من هناك بدأ التنظيم هجومه على مناطق تواجد أكناف بيت المقدس، وكما يبدو فإن داعش والنصرة خططا للهجوم منذ أشهر، وهذا متوقع لأنه حسب ملاحظتي فداعش لا تهاجم منطقة إلا بعد أن تتيقن من قدرتها على السيطرة عليه والتجهيز العسكري الجيد.

واستغلت داعش والنصرة تفوقهما بالتسليح والعدد على الأكناف، بالإضافة للهجمات التي كان يشنها النظام من الجهة الأخرى على الأكناف، ليتقدموا بشكل كبير داخل المخيم حيث تسيطر داعش حاليًا على أكثر من 90% من المخيم، فيما تم حشر الأكناف في الزاوية الشمالية الشرقية للمخيم.

الأوضاع في مخيم اليرموك بتاريخ 5/4/2015
اللون البني داعش والنصرة
اللون الأزرق النظام
اللون الأخضر أكناف بيت المقدس
اللون الأصفر أحرار الشام
وأسفل الخارطة حي القدم الأسود معقل داعش

قررت فصائل الثوار في جنوب دمشق (جيش الإسلام وأبابيل حوران وشام الرسول) مساعدة الأكناف والتصدي لداعش رغم قلة السلاح والإمكانيات، وبدأت هجومًا ضد مواقع النصرة وداعش في الجنوب الشرقي، وهي تخوض معارك مع تنظيم داعش واستطاعت تطهير بعض المناطق في التضامن والمخيم لكنها لم تستطع الوصول إلى المنطقة التي تتواجد بها الأكناف.

النظام يقصف المخيم بعنف خلال الأيام الماضية ويسابق الزمن لأنه يريد تدمير المخيم قبل طرد داعش منه على يد الثوار، فيما تقف حركة أحرار الشام على الحياد وذلك نتيجة فكرها السلفي الجهادي الذي يرفض محاربة داعش (رغم أن داعش غدرتها أكثر من مرة).

أما فصائل منظمة التحرير (بكافة توجهاتها) فهي تنتظر بلهفة طرد أكناف بيت المقدس من المخيم، ليشن بعدها النظام هجومه على المخيم ويستعيده ولتعود هذه الفصائل إلى المخيم تحت حماية النظام.

ليست هناك تعليقات: