الاثنين، 15 يونيو 2015

كيف تحقق داعش انتصاراتها؟




كان لتزامن انتصارات داعش في الرمادي وتدمر صدىً استغله إعلام الإثارة لينفخ في صورة داعش، دون أن يحاول الإجابة عن كيف حققت ذلك، لذا سنتكلم عن الكيفية التي تحقق بها داعش انتصاراتها اللافتة للنظر، والتي يظن الكثير أنها ليست إلاصفقات ومؤامرات بين الأنظمة في سوريا والعراق وتنظيم داعش، لكن كما سنرى فالأمر أكثر تعقيدًا من هذا التبسيط المخل.

تعتمد داعش على عدة استراتيجيات وتكتيكات عسكرية ونفسية، معروفة وتستخدمها الكثير من الجيوش والأنظمة، لكن داعش تستغلها إلى أبعد مدى بالإضافة إلى بصمتها الذاتية.

أولًا: مهاجمة نقاط الضعف؛ فمن أساسيات العمل العسكري أن تبحث عن نقاط ضعف عدوك وتهاجمه من خلالها، وداعش التي تحارب وتخاصم الجميع، دائمة البحث عن خصوم ضعاف لكي تهاجمهم، وهذا ما يفسر كثرة مهاجمتها لتنظيمات ثورية وجهادية سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا، لأن هذه التنظيمات أضعف وأقل تسليحًا من القوات النظامية.

وجاءت مهاجمة تدمر بعد أن شعرت داعش بضعف النظام، عقب الهزائم المتلاحقة والانهيار في معنويات جنوده في أدلب وحوران، مما اضطره لسحب قواته من المناطق النائية والبعيدة، لتعزيز وضعه سواء في دمشق أو معاقله في الساحل.

تدمر وبادية الشام هي منطقة صحراوية واسعة لكن لا كثافة سكانية فيها، والدفاع عنها مكلف والفائدة للنظام قليلة، وقد أخذ وقته وهو يخليها فاستطاع أن يخلي منها السجناء والآثار، وحتى السلاح النوعي تم إخلاؤه، وما أشيع عن مخازن سلاح استولت عليه داعش لا يوجد عليه أدنى دليل، بل على العكس أظهرت تسجيلات داعش أسلحة فردية استولوا عليها من قوات النظام.


وفي العراق فالموصل والرمادي وأغلب مناطق السنة هي نقاط ضعف النظام العراقي، حيث لا حاضنة شعبية ولا يوجد جيش محترف قادر على الإمساك بها، لهذا تهاجم داعش منطقة وتمسكها فيرسل لها النظام مليشيا الحشد الشعبي وطائرات التحالف فتضطر داعش للانسحاب، فتهاجم منطقة سنية أخرى وهكذا دواليك.

ثانيًا: القوة العقائدية مقابل المرتزقة؛ مقاتلو الجيوش العربية الرسمية هم عبارة عن موظفين (ليس أكثر) وبكلام آخر مرتزقة، ومن الواضح أن مخططي تنظيم داعش قد قرأوا كتاب الأمير لميكافيللي، والذي أشار فيه إلى نقطة ضعف الجيوش التي تعتمد على المرتزقة.

فهذا المرتزق (أو الموظف) هو مقاتل شرس طالما ضمن أنه سينتصر وأن حياته في مأمن، لكن عندما تصبح حياته على المحك فهو جبان وينهزم بسهولة، فكان مباغتة القوات العراقية بعمليات انتحارية وما يطلق عليهم الإنغامسيون يؤدي الدور المطلوب، وهذا كان السبب الرئيسي للانهيار في القوات العراقية عندما هوجمت الموصل، وأدى لسقوط كميات كبيرة من الأسلحة بيد داعش.

وهذا يفسر أيضًا الانهيار التام للقوات النظامية السورية في أدلب وتوالي هزائمها أمام قوات الثوار، لأن هذا الجندي النظامي السوري الشررس عندما انهارت نفسيته ولم يعد واثقًا بنصره، أصبح رعديدًا جبانًا يسابق الريح للهروب والاختفاء، فهذه القاعدة لا تخدم داعش فقط بل موجودة في كل مكان وزمان.

لكن داعش استفادت منها في العراق إلى أقصى الحدود، بسبب التكوين الفاشل للجيش العراقي الذي تم بناؤه على أسس الرشاوى والارتزاق خلال عهد الاحتلال الأمريكي، ويكفي أن نشير إلى فضيحة أكثر من خمسين ألف جندي وهمي سجلوا في الجيش لكي يسرق القادة والضوابط رواتبهم المفترضة.

مثل هذه البيئة شديدة الفساد خلقت جيشًا شديد الرخاوة لكن يمتلك كميات كبيرة من الأسلحة، كانت سببًا في امتلاك داعش قوة نيرانية هائلة استطاعت تسخيرها في محاربة خصومها من الفصائل الثورية وقوات النظامين السوري والعراقي.

ثالثًا: الحروب الخاطفة؛ بالإمكان الرجوع إلى الكتب التي تتكلم عن الحرب النفسية مثل كتاب الدكتور أحمد نوفل عن الحرب النفسية بجزئيه، لفهم حروب جنكيز خان فقد كان يعتمد (هو وخلفاؤه من قادة التتار والمغول) على ترويج سمعة عنهم، بأنهم مقاتلون متوحشون لا يمكن هزيمتهم، وينقل عن جنكيز خان قوله للشعوب التي يغزوها (أنه عقاب الله أنزله عليهم)، وكانت الكثير من جرائمهم ومجازرهم تهدف لتعزيز هذه السمعة، بحيث يكون العدو التالي متيقنًا أنهم سيهزم أمام هذه الجحافل التي لا يمكن هزيمتها.

وهكذا صنعت داعش لنفسها صورة، وساعدها بذلك إعلام الإثارة، أن رجالها عقائديون لا يخافون الموت، وأنه لا يمكن هزيمتها، وأنها تتمدد ولا تتراجع، وحتى عندما تكون الحقيقة عكس ذلك، فالإعلام لا يتخلى عن الصورة النمطية السائدة (لا يمكن هزيمتهم ولا يخافون الموت)، وهكذا تدخل داعش معارك وقد رسم في عقول خصومها أنهم لن يستطيعوا الانتصار عليها، فبدلًا من أن يفكر مقاتلو الطرف الآخر بكيفية القتال يفكر الكثير منهم بأفضل طريقة للفرار من أمام داعش.

وهنا نشير إلى الحروب الخاطفة التي شنها النازيون في الحرب العالمية الثانية، وقبلها حروب نابليون بونابرت، والقائمة على مهاجمة الخصم بقوة نيرانية كبيرة تهزم معنوياته يتلوها هجمات سريعة، وداعش تتبع تكيتكات مشابهة لكن على مستوى تنظيم وليس دولة.

رابعًا: دولة الإسلام باقية؛ لعل هذا الشعار الذي يردده أفراد التنظيم يختزل الهدف الوحيد الذي يسعون وراءه، أي البقاء من أجل البقاء، وأن يحتل مساحة واسعة من الإعلام بحيث يستطيع تجنيد الأعضاء الجدد لتعويض من يخسرهم.

ومن يظن أن لدى داعش هدفًا أكبر من ذلك فهو واهم، فلا مشروع دولة لديهم ولا مشروع حضاري ولا مشروع إسلامي، فقط مشروع البقاء كتنظيم عسكري يعيد انتاج نفسه.

وإن كان التنظيم كما أوضحت يهاجم نقاط ضعف الخصم، فإنه في المقابل ينسحب من المعارك الخاسرة ولا يستمر بها طويلًا، ونلحظ هذا التناقض الصارخ بين خسائره المتتالية هذه الأيام في الحسكة والرقة وتقدمه في حلب، فالتنظيم غير قادر على الاحتفاظ بالحسكة والرقة لكنه وجد خصمًا ضعيفًا في شمال حلب فهاجمه.

وهكذا فعل في العراق انسحب من ديالى وتكريت فهاجم الرمادي، أما بيجي انسحب منها وأعاد دخولها أكثر من مرة، إنها ببساطة لعبة القط والفأر؛ غاب القط ألعب يا فار.

ولا يهم داعش الإمساك بالأرض والاستقرار بها ولا أن يحمي قاعدته الشعبية، فالمهم استمرار العمليات العسكرية واستمرار التنظيم وبقاؤه في الميادين، لذا نجد مشروع داعش دائم التنقل ولهذا قلت أنه لا يوجد مشروع دولة لدى داعش، فأي دولة هذه التي تتنقل كما تنقل القطة أولادها؟

خامسًا: سياسة العصا والجزرة؛ تؤمن داعش بنصيحة ميكافيللي في كتاب الأمير، والتي تؤمن بها جميع الأنظمة العربية، وهي أن تبطش بخصومك السياسيين بطشًا كبيرًا ومروعًا بحيث يترك أثره في ذهن الناس، ثم توفر الأمن والرخاء للمواطن العادي وتشعره بأنه سيخسر ذلك فيما لو تبع خطى الخصوم السياسيون للنظام.

طبعًا لا يوجد أمن ورخاء تقدمه داعش، لكنها تقدم لسكان مناطق سيطرتها بعض المعونات والمساعدات، وفي المقابل فمن يطيعها فلن تقتلهم ولن تنكل بهم، وإن ظهرت بوادر التمرد كانت العصا الغليظة بالانتظار.

في الختام: نرى أن داعش تعتمد في تقدمها على خليط من الحرب النفسية، ومهاجمة الأهداف الرخوة، وعلى استراتيجية للبقاء كتنظيم من أجل البقاء بحد ذاته، ورغم أن هذا الخليط يوفر لها الإمكانية لتحقيق الانتصارات السريعة، لكنها تبقى انتصارات فقاعية سرعان ما ستنهار بعد أن تكون دمرت وخربت الشيء الكثير.

ليست هناك تعليقات: