السبت، 18 يونيو 2016

هل يشعل محمود عباس حرب المخيمات؟




شكلت مخيمات الضفة حالة نضالية مميزة منذ منتصف الثمانينات ضد الاحتلال الصهيوني، وكانت في مقدمة مقاومة الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى، وقد اهتم بها ياسر عرفات وقدم لأهلها امتيازات مختلفة لكي يستميلهم ويكسب صفهم.

إلا أنه ومنذ قدوم محمود عباس لرئاسة السلطة تحولت المخيمات إلى بؤرة توتر مع السلطة، وتراكم الغضب الشعبي في مخيمات الضفة، رغم أن أغلبها هي معاقل قوية لحركة فتح إلا أنها في نفس الوقت تكن كراهية عميقة ضد السلطة ومحمود عباس بالتحديد.

وعندما استعر الصراع بين محمود عباس ومحمد دحلان استغل الأخير حالة الغضب بين فتحاويي مخيمات الضفة ليشتري الولاءات وليبني بؤرًا مناهضة لمحمود عباس، مما دفع السلطة إلى شن عدة حملات أمنية في مخيمات بلاطة وجنين ضد أنصار دحلان، كما جمد حساباتهم البنكية ولاحقهم بشكل حثيث.

إلا أن الكراهية ضد عباس بدأت تتوسع وتأخذ طابعًا علنيًا بعد تصريحاته التي أدان فيها خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014م ومطالبته بإعادتهم سالمين، بالإضافة لتصريحاته التي أكد فيها على تنازله عن حق عودة الشعب الفلسطيني، وأن فلسطين بالنسبة له فقط الضفة الغربية.

لتأتي أحداث الأسبوع الأخير لتنذر بانتقال هذه الكراهية من حالة الكلام والتصريحات إلى الفعل والصدام، حيث نتكلم عن ثلاثة صدامات في أقل من أربعة أيام: أحداث مخيم قلنديا على خلفية الاستيلاء على سيارة وزير في السلطة، ثم أحداث ليلة أمس الخميس في كل من مخيم جنين ومخيم الأمعري.
 
في مخيم جنين اعترضت السلطة مسيرة استقبال لأسير محرر من حركة الجهاد الإسلامي واعتقلت أحد المشاركين فيها، مما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة بين أهالي المخيم وأجهزة أمن السلطة.

أما في مخيم الأمعري فكانت ترابط على مدخله الرئيسي قوة عسكرية في استعراض للقوة بعد أحداث مخيم قلنديا، فاعتبره شبان المخيم استفزازًا لهم وألقوا الحجارة على القوة التي أطلقت قنابل الغاز والصوت بكثافة.

ليست أول مرة تحصل صدامات من هذا النوع في العامين الأخيرين، فحصلت احتجاجات في عدة مخيمات على اعتقالات قامت بها السلطة، وخصوصًا مخيم بلاطة، بما فيه احتجاجات على اعتقال نشطاء من حماس كما حصل في مخيمي قلنديا والجلزون، وهذا مؤشر على ارتفاع سقف أهالي المخيمات حيث الدفاع العلني عن أنصار حماس تعتبر من أكبر الكبائر في عرف السلطة.

لكن الأمور هذه المرة اتخذت طابع التحدي وتلقت السلطة إهانات متعددة، أكبرها فشلها بمجرد الوصول إلى مخيم قلنديا، وعوضت عنها في بيانات (تذكرنا بتصريحات الصحاف) ومزاعم عن اعتقالات بالجملة وعن "خارجين عن القانون" سلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية بعد ملاحقتهم و"التضييق عليهم".

وهنا يجب فهم معادلة صراع السلطة مع المخيمات:

1- بقيت المخيمات خارج سيطرة وبطش السلطة وأجهزتها الأمنية منذ إنشاء السلطة، ورغم أن ذلك حول بعضها إلى ملجأ لعصابات مختلفة، إلا أنها أعطت سكانها حصانة من إجراءات السلطة التعسفية المختلفة.

فالسلطة فرضت إجراءات للسيطرة على حياة الناس في المدن والقرى، ورقابة مالية مشددة على حساباتهم في البنوك، وملاحقات على كل كبيرة وصغيرة، وسكان المخيمات غير مستعدين لأن يعيشوا هذه الأجواء الخانقة.
 
والسلطة تحاول منذ ثلاثة أعوام فرض سيطرتها على المخيمات للتخلص من الجيوب الدحلانية، وجاءت انتفاضة القدس لتجعل الأمر أكثر إلحاحًا عليها، خاصةً لدور مخيمات وسط وجنوب الضفة الجوهري في هذه الانتفاضة، مثل قلنديا وعايدة والدهيشة والعروب والجلزون وشعفاط.

2- شعور اللاجئين بأن السلطة باعتهم بدون مقابل وتنازلت عن حقهم بالعودة وتركتهم بدون أي أمل، وبالأخص محمود عباس صاحب التصريحات الاستفزازية.

3- حصلت المخيمات في عهد ياسر عرفات على امتيازات معيشية عديدة أصبحت حقًا مكتسبًا، مثل الإعفاء من رسوم الكهرباء والمياه، ومنذ عهد سلام فياض بدأت السلطة بمحاولة سحب هذه الامتيازات حتى تسد العجز المالي المتراكم في ميزانيتها.

يضاف إلى ذلك التقليص المستمر لخدمات الأونروا في المخيمات مما أعطى اللاجئين شعورًا قويًا بأنه ستتم تصفية قضيتهم بشكل نهائي بدون أي مقابل.

4- استثمرت الجيوب الدحلانية هذه الإشكاليات وأعطت زخمًا للمعارضة ضد السلطة في المخيمات وفاقمتها.

5- في ظل أجواء انتفاضة القدس والتنازلات المستمرة التي تقدمها السلطة للاحتلال، لم يعد مقبولًا أو مفهومًا ما تقوم به؛ سواء كان شن حملة أمنية انتقامًا لسيارة وزير، أو استعراضات استفزازية أمام المخيمات، أو اعتراض مسيرات الاحتفال بالأسرى المحررين.

لحد الآن يبدو أداء السلطة مرتبكًا فإن هي مررت ما حصل في مخيم قلنديا فستهتز "هيبتها" وسيتجرأ المزيد من الناس على الوقوف بوجهها وربما يتجاوز الأمر المخيمات إلى خارجها، والسلطة بنت هيبتها على إخافة وإرعاب المواطن، وما حصل الأسبوع الماضي سيساعد في كسر هكذا هيبة.

ولو أرادت المضي قدمًا في الانتقام فستدخل في معركة ومواجهة مفتوحة مع مخيمات الضفة وربما تدفع ثمنه بشكل أكبر، وقد تفقد سيطرتها على كل المجتمع الفلسطيني.

فلم يعد الصدام مع تيار دحلان أو أنصار حماس، بل أصبح في مواجهة مجتمع المخيمات كاملًا، بينما باقي المجتمع الفلسطيني يؤيد ويدعم المخيمات في حربها ضد السلطة، ولا توجد قاعدة اجتماعية تحمي السلطة في هذه المواجهة، فهل ستكتفي بدعم الاحتلال لها؟

ليست هناك تعليقات: