الخميس، 11 أغسطس 2016

الانتخابات البلدية والخوف من القيادة البديلة



يتخوف البعض من تحول البلديات القادمة إلى أداة لتحكم الاحتلال المباشر بالضفة الغربية وتكرار تجربة روابط القرى وبالتالي ربط حياة الناس بالاحتلال ووأد المقاومة.

ويخشون أن تكون مشاركة حماس في الانتخابات البلدية شرعنة لهذه العملية وبالتالي تقدم خدمة للاحتلال سواء من خلال تمرير هذا المخطط أو حتى تقوية موقف السلطة الفلسطينية (بحسب وجهة النظر هذه).

وبرأيي هذا تخوف لا مكان له لأن الاحتلال والسلطة لا يبحثان عن شرعية جماهيرية فلسطينية، فأغلب مشاريع التصفية مررت بدون تصويت أو استفتاء وكل العالم يقول أن هذه المشاريع هي الشرعية، والكل يتكلم عن "الشرعية الدولية" و"شروط الرباعية"، وكلها شرعيات لم تأت عن طريق صناديق الاقتراع.

فاتفاقية أوسلو (على سبيل المثل) فرضت ومررت بدون أي استفتاء شعبي رغم أن حماس طالبت بالتصويت عليه لكن المنظمة رفضت ذلك، ووقع عليها عرفات واعتبرت اتفاقية كاملة الشرعية ما دام أن "القيادة الفلسطينية" وافقت عليه.

الانتخابات البلدية عام 1976م

وعودة إلى الانتخابات البلدية فقد كان تفكير الاحتلال منذ احتلاله للضفة وغزة يدور حول إقامة إدارة ذاتية للفلسطينيين تحت "دولة إسرائيل" بينما تتمدد دولة الاحتلال في الاستيطان والتهويد.

وحاولت تمرير مخططها من خلال الانتخابات البلدية لإنتاج قيادة بديلة عن منظمة التحرير التي كانت وقتها تقود الكفاح الوطني الفلسطيني، لكن انتخابات عام 1976م أسفرت عن فوز قيادات وطنية بالتنسيق مع منظمة التحرير.


وقد أربكت النتيجة سلطات الاحتلال فأبعدت عدد من رؤساء البلديات عام 1980م (فهد القواسمي رئيس بلدية الخليل ومحمد ملحم رئيس بلدية حلحول وقبلها عبد الجواد صالح رئيس بلدية البيرة).

كما قام التنظيم الإرهابي اليهودي السري بنفس العام بتفخيخ سيارات ثلاثة من رؤساء البلديات (كريم خلف رئيس بلدية رام الله وإبراهيم الطويل رئيس بلدية البيرة وبسام الشكعة رئيس بلدية نابلس)، وأدى انفجارها إلى بتر أقدام كريم خلف وبسام الشكعة، بينما اكتشفت العبوة المعدة لإبراهيم الطويل قبل تفجيرها.

ويبدو أن تنظيمات غلاة المستوطنين (التنظيم الإرهابي السري في وقتها وجماعة تدفيع الثمن اليوم) هي أدوات لتنفيذ العمليات القذرة نيابة عن دولة الاحتلال؛ فحسب ما روى بنحاس فاليرشتاين (عام 2009م) أحد قادة المستوطنين أن بنيامين بن أليعازر والذي كان وقت محاولة الاغتيال حاكمًا عسكريًا للضفة الغربية "قام فتح زجاجة نبيذ في مكتبه وشرب نخب محاولة الاغتيال" بوجود فاليرشتاين، كما قد ثبت أن أحد المتورطين بإحراق عائلة الدوابشة هو عميل لجهاز الشاباك ولهذا يماطل الاحتلال بمحاكمتهم.

وفي العام 1982م قام الاحتلال بحل المجالس البلدية المنتخبة وعين مكانهم ضباط من جيش الاحتلال، ولم تجر بعدها أي انتخابات حتى قدوم السلطة الفلسطينية.

وفي وقت لاحق عين الاحتلال عدد من رؤساء البلديات وقد شنت الجبهة الشعبية حملة ضدهم واغتالت ظافر المصري رئيس بلدية نابلس المعين عام 1986م وحاولت اغتيال حسان الطويل رئيس بلدية البيرة المعين وأصيب بجروح متوسطة.

وقبل ذلك اغتالت الشعبية الشيخ هاشم الخزندار عام 1979م لقيامه بتشكيل وفد "شعبي" من غزة لزيارة السادات وتأييد كامب ديفيد، وحاولت اغتيال رشاد الشوا رئيس بلدية غزة لحد عام 1975م.

روابط القرى:

وبموازاة ذلك حاولت الإدارة المدنية لجيش الاحتلال تشكيل ما أطلق عليه روابط القرى (1980م – 1982م) بإشراف مناحيم ملسون، وذلك تحت مسمى تطوير القرى والريف الفلسطيني وتنميته من خلال الجمعيات التعاونية ومشاريع مختلفة.

وقد قاومته القوى الوطنية الفلسطينية واغتيل نائب رئيس روابط القرى يوسف الخطيب (عام 1981) كما اضطر رئيسه مصطفى دودين إلى الهرب لداخل الكيان وأفشل المشروع رغم الأموال والتسهيلات التي أغدقت عليه.

التطبيع في زمن أوسلو:

وفي انتخابات عام 2012م التي قاطعتها حركة حماس أفرزت بعض القيادات التي كان لها دور تطبيعي خطير مع الاحتلال وعلى وجه التحديد غسان الشكعة، ولم يضرها أن "شرعيتها" منقوصة لمقاطعة حماس للانتخابات.

ولو جئنا إلى سلام فياض مهندس مشروع دايتون وسلطة الخدمات والتعاون الأمني مع الاحتلال، فقد مني بخسارة كبيرة بانتخابات التشريعي رغم الأموال والتلميع الإعلامي ولم يحصل سوى على مقعدين من 132 مقعدًا.

ومارس أسوأ أدوار التطبيع والتنسيق الأمني وإغراق المجتمع الفلسطيني بالضفة بأوهام التنمية الاقتصادية وسراب "دولة المؤسسات" عندما كان رئيس وزراء معين، ولم يكن يحظى بدعم لا شعبي ولا حزبي.

في الختام:

مما سبق نستنتج أن الاحتلال والسلطة لم يكونا يسعيان في يوم من الأيام للاحتكام لرأي الشعب الفلسطيني لأنه محسوم ومعروف، وأن الحركة الوطنية استفادت أكثر من مرة باستخدام الانتخابات وسيلة لإجهاض محاولات تصفية القضية الفلسطينية، سواء في انتخابات البلديات عام 1976م، أو عندما شاركت حماس بانتخابات التشريعي عام 2006م من أجل إجهاض اتفاقية أوسلو.

سواء شاركت حماس بالانتخابات البلدية أم لم تشارك فالاحتلال يمضي قدمًا بمشاريع بناء مؤسساته في الضفة، وأخطر مؤسسة موجودة هي المؤسسة الأمنية التابعة للسلطة، وهي غير منتخبة، وكل أشكال التطبيع تهون مقارنة بما تقوم به هذه المؤسسة من تنسيق أمني وتسليم معلومات للاحتلال الصهيوني.

قد يخشى البعض أن يكون المهنيون الذين تدعمهم حماس في الضفة ضعفاء أمام الضغط السياسي من السلطة أو الاحتلال وهنالك بعض المخاطرة في ذلك، لكن من الضروري التأكيد على أن المهني أو الكفاءات لا يعني بالضرورة أن يكون بدون خلفية سياسية، ومن الأسماء التي تسربت حتى الآن هنالك شخصيات وطنية صلبة لا يمكن مساومتها بسهولة.


ومن الناحية الأخرى لو قاطعت حماس والقوى الوطنية الانتخابات فوقتها سنكون متأكدين بكل يقين أن الشخصيات المنتخبة ستكون لعبة بيد السلطة والاحتلال (كما جربنا في الأعوام الأربعة السابقة)، ولن تهز المقاطعة "شرعيتها" قيد أنملة.

ليست هناك تعليقات: