الخميس، 20 أبريل 2017

حركة حماس وحرب البقاء في الضفة الغربية


لعل أهم ما في انتخابات جامعة النجاح هي المسيرة الحاشدة للكتلة الإسلامية بعد ظهور النتيجة، وهنا أريد التوقف قليلًا أمام ميكانيكا العمل التنظيمي والجماهيري، وكيف تستفيد منه حركة حماس لمقاومة محاولات استئصالها من الضفة الغربية.وهي تجربة يمكن الاستفادة منها في العديد من الدول العربية، حيث يتعرض الإسلاميون (وخاصة الإخوان) لحرب استئصال من الجذور، شبيهة لما يحصل في الضفة الغربية منذ عام 2005م، أي قبل الانقسام الفلسطيني.

فقد تعرضت حماس لحملة اعتقالات واسعة في أيلول عام 2005م طالت المئات من كوادرها، وأطلق عليها تندرًا مسمى "حملة نبش القبور"، لأنها طالت كوادر وقيادات لم يكونوا نشيطين منذ زمن بداية التسعينات، فقد كانت حاملة شاملة تهدف لاجثتاث الحركة.

فقد توصل الاحتلال وقتها إلى نتيجة أنه لا يمكن محاربة القسام في الضفة، بدون اجتثاث حماس من كافة مناحي الحياة العامة: الجامعات، والجمعيات الخيرية، والشركات، والبلديات، وهو ما اطلق عليه ضرب البنية التحتية للإرهاب.

وجاءت أحداث الانقسام عام 2007م لتعطي زخمًا لهذه الحرب، ومشاركة فاعلة للسلطة في محاربة حماس بالضفة الغربية.

في البداية انتظرت حماس مرور العاصفة حتى تقف على قدميها من جديد، إلا أنها وجهت بما يسميه الاحتلال حملات "جز العشب"، أي توجيه ضربات لحماس بشكل دوري ودائم، حتى لا تستعيد قوتها ومكانتها.

وجهت محاولات حماس للعودة إلى الحياة العامة في الضفة بحرب شرسة من قبل السلطة والاحتلال معًا، فكان السؤال الجوهري: هل تقبل حماس بالأمر الواقع وتنتظر تحسن الأوضاع والتي لا يبدو في الأفق أنها ستتحسن بل تزداد سوءًا؟ أم تسعى لإيجاد موطئ قدم لها مهما كان الثمن باهظًا.


اختارت حماس منذ أربع سنوات تقريبًا العودة لساحة الضفة الغربية مهما كان الثمن، ابتداءً من حملة "من حقي أن أصلي في الأقصى" والتي هدفت لتحريك الشارع نصرة للأقصى، مرورًا بمشاركتها في الانتخابات الطلابية بالجامعات، والبلديات، وانتهاءً بمشاركتها الفاعلة بانتفاضة القدس وحراك الأسرى على كافة المستويات العسكرية والشعبية والإعلامية.

لم تقابل عودة حماس بالورود بل على العكس قوبلت بحملة شرسة من ناحية اعتقالات أو تشويه إعلامي أو تضييق وتطفيش، فما تريده السلطة والاحتلال هو أن تبقى حماس مغيبة عن ساحة الضفة.

ووصلت الأمور مؤخرًا إلى قيام قوات الاحتلال بمصادرة سيارات وممتلكات المحسوبين على الحركة، في إطار الخنق الاقتصادي، وإجبارهم على حصر تفكيرهم بتأمين قوت يومهم.

وهنا تأتي ضرورة تجديد الدماء وحشد الأنصار، حتى يتم تعويض ما يستنزف من إمكانيات وقدرات الحركة، وتعتبر المشاركة في انتخابات مجلس طلبة النجاح مناسبة هامة من أجل حشد الأنصار والمؤيدين.

وهذا يتطلب من المسؤول والقيادي أن يفهم ميكانيكة التنظيمات الجماهيرية، فقد تبدو للمراقب عن بعد الانتخابات الطلابية شيئًا هامشيًا أو لا صلة له مباشرة في العمل المقاوم، لكن واقعيًا لها تأثير هام على جماهير الطلبة وفرصة لكي تحتك الكتلة الإسلامية مع قاعدتها الشعبية، بل وأن تتواصل مع طلاب لم يكونوا سابقًا من مؤيديها أو مناصريها.

وهكذا رأينا الكتلة الإسلامية قادرة على حشد مسيرة كبيرة تسير وسط مدينة نابلس وهي ترفع رايات حركة حماس، بشكل لم نره منذ عشر سنوات أو أكثر.

هؤلاء المشاركين في المسيرة، ومن شاركوا في الانتخابات، يشكلون خزانًا بشريًا لحركة حماس لكن هذا الخزان يجب تجديده باستمرار، وإلا أصابه الركود وتبخر الرصيد الجماهيري.

أي تنظيم سياسي لا يحتك مع الناس في حياتهم اليومية أو المناسبات العامة، سيواجه مصير الاضمحلال والضمور، ولهذا حماس تقاتل من أجل تثبيت أرجلها في الضفة الغربية، حتى تستعيد مكانتها التي تآكلت بفعل الغياب عن الساحة.

ولهذا السبب الحركة ستدعم بعض القوائم في الانتخابات البلدية القادمة، رغم كل التجاوزات واللعب بالقوانين، لأنها تريد أن تبقى على احتكاك مع الناس من خلال بعض المرشحين، فإن لم تستطع المنافسة بشكل علني وبظروف ديموقراطية، فهذا لا يهم كثيرًا ضمن استراتيجية الصراع على البقاء.

وهنا لا تهتم كثيرًا حماس بالجانب الإعلامي، ومحاولة السلطة التظاهر بأن الانتخابات تعكس جماهيرية لها، فالكل يعلم الحقيقة وحجم البلطجة التي تدور، والأهم من ذلك أن حماس تعطي الأولوية لبقائها في الميدان، فهذا أهم من تسجيل النقاط الإعلامية.

الناس قد يتعاطفون معك لكن بعد إطفاء شاشات الانترنت (أو التلفاز) سيتعاملون مع سلطة الأمر الواقع، وكأنك غير موجود، وكأن مظلمتك لا وجود لها.

فخلاصة تجربة حماس في الضفة الغربية هي القتال تحت وابل الرصاص، والإصرار على البقاء في الميدان حتى تجدد نفسها وتحشد الاتباع والمناصرين، رغم كل الخسائر والضربات التي تتلقاها.


ليست هناك تعليقات: