الخميس، 18 مايو 2017

العلاقة بين داعش واغتيال الشهيد مازن فقها



البعض يقول أن انتماء قاتل الشهيد للجماعات السلفية الجهادية، انتهاء بداعش، لا يدين هذه الجماعات، وأن كل التنظيمات قابلة للاختراق، ووجود عملاء في صفوفها لا يعني أنها تنظيمات مشبوهة.

وهذا الكلام غير دقيق من عدة أوجه، فالاختراقات التي تتعرض لها الجماعات السلفية الجهادية وعلى رأسها القاعدة وداعش أكبر بكثير نوعًا وكمًا من غيرها من التنظيمات، بسبب بنيتها التنظيمية والفكرية غير السوية.

وبعد الكشف عن أشرف أبو ليلة (قاتل الشهيد) وانتمائه للجماعات المتطرفة، جاءت فضيحة تسريب ترمب للروس معلومات عن عميل مزروع داخل قيادة تنظيم داعش ويعمل لصالح الموساد الصهيوني، فحالات الاختراق كثيرة ولا تحصى.

وسبق الكشف عن علاقات وثيقة بين تنظيم داعش في ليبيا ومليشيا حفتر، أما العلاقات غير المعلنة بين داعش والنظام السوري فقد كشف عنها في أكثر من مناسبة، وغيرها من علاقات مشبوهة، بعضها عبارة عن اختراق وبعضها الآخر انتهازية فجة من تنظيم داعش.

البنية التنظيمية:

تتميز الجماعات السلفية الجهادية بقبولها انضمام عناصر من دول مختلفة، بدون الاستفسار عن خلفيتهم الاجتماعية والسياسية والأمنية في المناطق التي قدموا منها، وبعضهم لا يعرف أحد اسمه الحقيقي وإنما مجرد كنى وأسماء وهمية.

وهذا يسهل عملية اختراقها كما أن اعتمادها الشديد (وبالتحديد تنظيم داعش) على التنظيم عبر الانترنت، يجعل عملية الاختراق والتجنيد الوهمي من أسهل الأمور على أجهزة المخابرات.

على عكس التنظيمات الأخرى مثل حماس أو فتح أو الشعبية التي لا تسمح بترقي الشخص تنظيميًا بدون الاستفسار عن أصله وفصله من معارفه وأهل منطقته.

البنية الفكرية:

الانتماء للتنظيم السلفي الجهادي والولاء له يساوي الانتماء للإسلام عند أبناء هذا التيار، وكل ما هو خارجه فهو كفر وردة، وبالتالي يبيح التيار السلفي الجهادي مهاجمة الجماعات الإسلامية الأخرى وعوام المسلمين، وقد رأينا كيف دمرت داعش وجبهة النصرة الثورة السورية، عبر الإصرار على محاربة الفصائل الثورية بحجة أن محاربة العدو القريب أولى.

في حالة أشرف أبو ليلة فقد كانت المخابرات ترسل له الأموال من أجل تنفيذ تفجيرات ضد صالونات الحلاقة وغيرها، وهذه كانت تضر المجتمع الفلسطيني أولًا وحماس ثانيًا، وهذا هدف مشترك بين التكفيريين والاحتلال الصهيوني، حتى لو لم يكن يعلم أنه يعمل لصالح الاحتلال ويظن أنه يعمل لصالح القاعدة أو داعش.

فضابط المخابرات لا يحتاج لجهد كبير لاقناع المخدوعين (التنظيم الوهمي) من الدواعش والسلفيين الجهاديين من أجل استهداف المجتمع الفلسطيني أو حركة حماس أو فتح، لأن هذه الأمور من صلب فكر هذه الجماعات.

بينما لو قام بخداع شاب وأوهمه أنه يعمل مع القسام، فكيف سيوجه هذا الشاب؟ هل يستطيع أن يقنعه بقتل فتحاوي مثلًا؟ لن يقبل بل على العكس فسيبقى هذا الشاب يلح المرة تلو المرة لبدء العمليات ضد الاحتلال.

وأحد طرق كشف التنظيم الوهمي هي أن الشاب يتجند لحماس أو الشعبية، ويبقى فترة طويلة بدون عمل حقيقي، ويكتفي منه ضابط المخابرات بجمع المعلومات حول شباب لديهم القابلية للعمل المقاوم، لأنه لا يستطيع الاستفادة من الشاب المخدوع أكثر من ذلك.

لم توضح الداخلية في مؤتمرها الصحفي كيف كانت ردة فعل أشرف أبو ليلة عندما كشف له الشخص الذي يتواصل معه أنه مخابرات صهيونية (عام 2014م)، وكيف تم تدجينه للتعامل مع الاحتلال بشكل مباشر وواضح.

لكن من التجربة مع هذه الحالات فيمكن التكهن بأحد الطرق التالية (أو جميعها):

الأول: اقناعه بأن هذا تحالف بينه كشخص مؤمن وبين الكافر اليهودي ضد المرتد الحمساوي.

الثاني: مساومته على العمل مع المخابرات مقابل عدم كشف أمره (الخوف من الفضيحة).

الثالث: اقناعه بأن العمل مع المخابرات أمر عادي وطبيعي وهنالك عدد كبير من العملاء من القادة والمسؤولي وغيرهم، ولا احد يعرف عنهم الخ (غسيل دماغ).

كما أن الجماعات السلفية الجهادية، وبالأخص داعش والقاعدة، تعتمد على التقية بشكل كبير، وعلى الحياة بوجهين: الانتماء لداعش في الباطن، والانتماء لتنظيم آخر في الظاهر حتى تحين لحظة إعلان الولاء لداعش.

وهذه أحد المشاكل القاصمة للجماعات الثورية في سوريا، فقد كانت تضم في صفوفها عناصر ينتمون سرًا لداعش، ولا تكتشف ذلك إلا عندما تشن داعش هجومًا على مواقعها، تجد فجأة أن عناصرها قد انضموا لقوات داعش.

ونفس الشيء رأيناه في غزة حيث كانت العناصر السلفية الجهادية تتقل بين تنظيمات الألوية والقسام والسرايا، بينما ولاؤها الحقيقي للجماعات السلفية الجهادية (جلجلت وغيرها).

فعدم وجود حواجز أخلاقية أو خطوط حمراء لدى هذه الجماعات، واقتتناعها بأن الغاية تبرر الوسيلة، وأنه يسمح بفعل أي شيء من أجل مصلحة التنظيم (وهي بنفس الوقت مصلحة الإسلام حسب فهمهم)، كل هذا يخلق إنسانًا لا يؤمن بوجود خطوط حمراء في الدنيا، ويخلق القابلية للعيش بوجهين.

وهاتان الخصلتان مشتركتان بين مؤيدي داعش والعملاء (أي التقية والحياة بوجهية، وعدم وجود خطوط حمراء أو روادع أخلاقية).

الخاتمة:

إذًا هنالك عدة عوامل تجعل انتماء القاتل للسلفية الجهادية وداعش أمرًا ذا صلة في عملية الاغتيال:

1- التركيبة التنظيمية الهشة لهذه الجماعات والسهولة الكبيرة في اختراقها.

2- الهدف المشترك مع أعداء الأمة في استهداف الجماعات الإسلامية بالقتل والإبادة، واستهداف المجتمعات المسلمة عمومًا.

3- انعدام الضوابط الأخلاقية والخطوط الحمراء، والقابلية للحياة بوجهين، وهذه صفات ضرورية للعميل.


ليست هناك تعليقات: