السبت، 21 أكتوبر 2017

أزمة تجنيد المتدينين اليهود: إلى أين؟



خرجت يوم الخميس الماضي مسيرات ضخمة للمتدينين اليهود (الحريديم) في القدس ضمن سلسلة فعاليات احتجاجية رافضة لتجنيد الحريديم في جيش الاحتلال.

لماذا يعترضون على تجنيدهم في جيش الاحتلال؟ وهل لهذا علاقة برفض وجود "دولة إسرائيل"؟

خلفية عامة:

هنا أريد التفريق بين ثلاثة تيارات دينية في الكيان:

1)     التيار الديني الصهيوني، وهو تيار ديني يؤمن بالصهيونية، ولا يرى فيها تعارضًا مع تعاليم التوراة، وهو متساهل في القضايا الاجتماعية (مثل لباس المرأة) ومتشدد في القضايا السياسية.

ويميز رجاله بلبس قبعات الكيبا الملونة (وليس السوداء)، ويمثله حزب "البيت اليهودي".

وهذا التيار في حالة صعود منذ عام 2009م ويتجه نحو السيطرة على مفاصل الدولة الصهيونية الحيوية مثل الأجهزة الأمنية والتعليم، ولا مشكلة له مع قوانين التجنيد.

2)     التيار الحريدي، وهو لا يؤمن بالصهيونية لأنها علمانية تفصل الدين عن السياسة، إلا أنه متصالح بشكل عام مع الكيان الصهيوني، مع الاحتفاظ بخصوصيات معينة.

ومن بينها عدم الخدمة في الجيش لأسباب أهمها: تفرغ الرجال الحريديم لدراسة التوراة، ولأن الجيش لا يراعي أحكام التوراة مثل الفصل بين الجنسين.

ويمثل هذا التيار حزبي شاس (لليهود الشرقيين) ويهدوت هتوراة (لليهود الغربيين).

وهذا التيار هو الذي يقود الاحتجاجات اليوم ضد قانون التجنيد.


3)     التيار الرافض لوجود الكيان الصهيوني، وهو جزء هامشي من التيار الحريدي، ولا يختلف عنه في شيء سوى موقفه الرافض لوجود "دولة إسرائيل" ويمثله بشكل عام جماعة ناطوري كارتا.

وأتباعها بضعة آلاف غالبيتهم يعيشون في أمريكا، وهنالك قسم منهم يعيشون في حي "مئة شعاريم" بالقدس الغربية.

وإن كانت غالبية الجماعات الحريدية في بداية نشوء الصهيونية يرفضونها ويعادونها، إلا أنها تراجعت عن حالة العداء وتكيفت مع الكيان الصهيوني بعد نشوءه والانتصارات التي حققها على العرب.

وبقي تيار هامشي لا وزن له معارضًا للكيان الصهيوني ورافضًا لوجود دولة لليهود قبل مجيء المسيح المخلص.

أهمية الحريديم بالنسبة للكيان الصهيوني:

رغم أن غالبية الرجال الحريديم لا يعملون، ويعيشون على المخصصات التي تدفعها الدولة، ولا يخدمون في الجيش إلا أن الدولة اهتمت بهم، وحرصت على توفير الامتيازات لهم، لأسباب عدة منها أن وجودهم يعطي الصبغة اليهودية لدولة "إسرائيل"، بأزيائهم وعبادتهم وطقوسهم، فبدونهم لا معنى ليهودية الدولة العلمانية.

كما أنهم ولأسباب دينية يحرصون على السكن في القدس ومحيطها، عكس العلمانيين الذين يفضلون تل أبيب وضواحيها، ولا معنى لدولة اليهود بدون السيطرة على القدس، وحوالي نصف اليهود في القدس هم من الحريديم.

كما أن الحريديم يشكلون الخزان البشري لليهود في فلسطين، فمعدل الزيادة السكانية بين العلمانيين (بالأخص اليهود الغربيين) منخفض للغاية وأقل من الفلسطينيين بكثير.

بينما معدل التكاثر السكاني بين الحريديم أعلى من الفلسطينيين، ولولاهم لأصبح الفلسطينيون أغلبية السكان داخل فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر) منذ عشرة أعوام.

قانون تجنيد الحريديم:

لطالما تذمر العلمانيون من إلقاء عبء الخدمة في جيش الاحتلال على أكتفاهم، بينما يعيش الحريديم عالة على الدولة الصهيونية.

وتزايد هذا التذمر بشكل خاص بعد انتفاضة الأقصى وحروب غزة الثلاثة، خاصة وأن نسبة الشباب بين العلمانيين في تناقص، بينما الخزان البشري الشاب المتكون من الحريديم يعيش بعيدًا عن أية أعباء يقدمها خدمة للكيان الصهيوني.

ونجح العلمانيون وبالأخص حزب "هنالك مستقبل" بتمرير قانون خدمة الحريديم عام 2014م، الأمر الذي اعتبر ضربة للحريديم.

المؤسسة الأمنية الصهيونية معنية بتجنيد الحريديم حتى تسد العجز المتزايد في المجندين بالجيش، وقدمت مغريات كثيرة لاستقطاب المتدينين بكافة تياراتهم، مثل تشكيل وحدات عسكرية تراعي الفصل بين الجنسين.

وتزايد وجود المتدينين داخل الجيش والمؤسسات الأمنية خلال السنوات الماضية، وبالأخص القادمين من التيار الديني الصهيوني.

لكن بقي التيار الحريدي بشكل عام رافضًا للمس بمكتسباته السابقة، ولهذا نشهد حراكًا لهم رافض للتجنيد.
وهنالك نبذ اجتماعي لأبناء هذا التيار الذين يخدمون في الجيش، وحصلت حالات اعتداء عليهم بالضرب في أكثر من مناسبة خلال الشهور الماضية.

في النهاية:

تقديري أن قانون تجنيد الحريديم سيمر في النهاية، وسيتكيف معه الحريديم، لأن المؤسسة الأمنية الصهيونية بحاجة لهذا الخزان البشري، ولأنه لا تناقض جوهري بين الأحزاب الممثلة للحريديم والدولة الصهيونية، فحزبي شاس ويهدوت هتوراة لا يشاركان في المسيرات الرافضة للتجنيد، ويكتفيان بمعارضة كلامية.


سيتم التوصل لتسويات ترضي التيار الحريدي لكن تبقي على مبدأ تجنيد أعداد منهم بما يخدم الكيان الصهيوني.

ليست هناك تعليقات: