الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

هل تعرف المخابرات كل شيء عني؟


  
لعل في فضيحة اعتقال شرطة الاحتلال لعامل كتب على صفحته الفيسبوك "صباح الخير"، نتيجة خطأ بترجمتها (جعلتها "سأنفذ عملية") ما يدلنا على محدودية قدرة أجهزة أمن الاحتلال (وأي اجهزة أمنية أخرى).

فهذه ليست حادثة معزولة فهنالك الكثير من منفذي العمليات كتبوا وصاياهم على الفيسبوك (لعل أشهرهم الأسير عمر العبد) ولم يعلم الاحتلال بهم إلا بعد فوات الأوان.

صحيح أن هنالك برامج وأدوات للمراقبة لدى أجهزة الأمن المختلفة، تلاحق حسابات المواقع الاجتماعية والهواتف، لكنها ليس مثل يحاولون أن يوهمونا.

فهنالك الكثير من التقارير الصحفية عن أدوات التجسس والمراقبة هذه، تحاول اقناع الناس بأن المخابرات تعرف كل شيء، وأنه لا يغيب عنها مثقال ذرة في السماوات أو الأرض.

رغم قدرة هذه الأجهزة على جمع كميات هائلة من المعلومات، إلا أن التحدي الحقيقي هو تحليل المعلومات، والوصول لما يفيدهم من ملاحقة نشطاء أو مقاومين، والخطأ في اعتقال العامل ناجم عن خطأ في تحليل المعلومة، وهو خطأ يتكرر كثيرًا.

فإما يهتمون بمعلومات لا تستحق الاهتمام، أو تغيب عنهم معلومات غاية في الأهمية، وأحيانًا أخرى يصيبون وينجحون في الوصول لما يريدون.

لا اكتب هذا الكلام لكي نستهتر بما نقوم به، ولا لتشجيع المقاومين على كتابة وصاياهم على الفيسبوك، على العكس فهذا تصرف غير سليم أمنيًا.

لكن حتى ندرك الأمور كما هي: هنالك مراقبة لوسائل الاتصال كلها (من الجوال إلى الفيسبوك)، لكنهم لا يعرفون كل شيء، وأحيانًا لا يعرفون أي شيء عن شخص معين أو نشاطه.

هم حريصون على إيهام الناس بأنهم قادرون على الوصول لكل شيء ومعرفة كل شيء، ويستعرضون مهاراتهم في ذلك، من أجل إخافة وردع الناس ولأهداف أخرى.

فعلى سبيل المثال لو تعرضت للاعتقال والاستجواب، وقال لك المحقق "اعترف فنحن نراقب حسابك الفيسبوك ونعرف كل شيء عنك"، حسنًا ما دام يعرف كل شيء لماذا يضيع وقته ويسألك؟


الأمر بكل بساطة لأن هنالك أمورًا أخرى لا يعرفها يريد استدراجك لقولها.

وقد يستعرض أمامك ويفتح حسابك الفيسبوك، من خلال الاستيلاء على كلمة السر أو غير ذلك من الطرق التقنية، لكن هل يستطيع معرفة كل شيء قمت به؟ ماذا عن المحادثات المحذوفة؟

يجب أن تتصرف وكأنه لا يعرف، وتنكر ذلك ولا تتجاوب معه، ولا تدلي له بمعلومات يتبين لك لاحقًا أنه لم يكن يعرفها، ووقتها لن ينفعك الندم.

وأحد آثار هذه الحرب النفسية أن الناس العاديين يتوقفون عن إبداء آرائهم خوفًا من التجسس أو قوانين الجرائم الإلكترونية، والتي هدفها إخافة الناس قبل أي شيء آخر.

هم لن يلاحقوك على لايك وضعته فهم لا يستطيعون ملاحقة جميع أصحاب اللايكات، ولا فائدة من ذلك أصلًا، يكتفون بإخافتكم فقط لا غير.

عادة يستهدفون نشطاء ميدانيين، لا يستطيعون إدانتهم في أمور محددة، فيلاحقون منشوراتهم على الفيسبوك من أجل تلفيق قضية "تحريض" أو "جريمة إلكترونية".

أما إن كنت تكتفي بالتعبير عن رأيك على الفيسبوك (دون نشاط سياسي حقيقي) فعلى الأغلب لن يمسوك، واستمرارك بقول الحق ضرورة وعدم خضوعك لسلطان الخوف واجب وطني.

يجب أن نوازن بين أمرين: الحذر وأخذ الاحتياطات الأمنية، والشجاعة والإقدام.


بدون الأولى سنكون مكشوفين للمخابرات، وبدون الثانية فسنبقى خانعين لا نفعل شيئًا، ومعرفة إمكانيات المخابرات في المراقبة والتتبع بدون تهويل أو تهوين، هي خطوة ضرورية لتحقيق التوازن المطلوب.

ليست هناك تعليقات: