الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

كلام في المصالحة وتصحيح البوصلة


الانقسام الفلسطيني له أسباب موضوعية وأخرى ذاتية (إن جاز التعبير).

الأسباب الموضوعية هي الناجمة عن ضغوط الاحتلال وأمريكا على السلطة، وعدم قدرتها على الخروج من عباءة التنسيق الأمني بدون خسائر فادحة، وهذه لن تحل ما لم يغير عباس جلده أو تقرر حماس أن تصبح مثل عباس.

أما الأسباب الذاتية فهي الناجمة عن العقلية الحزبية الضيقة (في الجانبين) وتراكمات وحساسيات الأحداث منذ عام 2007م، وهذه قابلة للمعالجة وتمت معالجتها جزئيًا منذ عام 2011م.

وما يحصل اليوم في غزة بإمكانه أن يعالج ما تبقى من هذا الجانب، لكن يبقى الجانب الأول غير قابل للحل ضمن الظروف الحالية.

إن استطعنا التعايش مع نصف الحل هذا، فوقتها بالإمكان الكلام عن تخفيف حدة الانقسام الفلسطيني (دون إنهائه)، بما يتيح التفرغ أكثر لمواجهة الاحتلال.

لذلك علامات الاستفهام كثيرة حول المصالحة وإمكانية الاستمرار بها، رغم التنازلات التي قدمتها حماس، والتي يقابلها شعور بالانتصار لدى السلطة وعدم رغبة بتقديم تنازلات مقابلة.


وبغض النظر عن نجاح المصالحة حتى النهاية أو توقفها في منتصف الطريق، فقد لاحظت أن قسمًا كبيرًا من أنصار حماس (عرب وفلسطينيين) مصدومين من المصالحة وكأن الذي يحصل في غزة تنازل عن مبادئ الحركة.

هنا لا بد من توضيح بعض البديهيات التي يبدو أنها غابت نتيجة العشر السنوات السابقة مما يسمى بالانقسام:

أولًا: مشروع حماس هو تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر، وليس حكم غزة التي هي 2% فقط من فلسطين، فإن أصبح الحكم عبئًا على المشروع الأساسي (وهو بالفعل كذلك) وجب البحث عن بدائل.

ثانيًا: كنت من الذين أيدوا دخول حماس في التشريعي عام 2006م، وكان هدفي (مثل الكثيرين) هو نسف أوسلو من الداخل، ووقف أي احتمال لتصفية القضية الفلسطينية من خلال الحلول السلمية، وقد تحقق هذا الهدف بشكل كبير.

لكن خرجت إشكاليات كثيرة أثقلت كاهل القضية الفلسطينية أولًا وحركة حماس ثانيًا فكان لا بد من المراجعة.

ثالثًا: العدو الأصيل لحركة حماس هو الكيان الصهيوني، وكل علاقاتها وتحالفاتها يجب أن تدور حول كيفية محاربة هذا العدو الأصيل.

وكان صراعها مع السلطة سببًا في إلهائها عن هدفها الأساسي، وعاش الصهاينة طوال العشر سنوات الماضية عصرًا ذهبيًا، وهم يكتفون بمشاهدة الصراع الفلسطيني الفلسطيني.

فكان لا بد من خطوة تخفف على حماس الجبهة الداخلية لتكون أكثر تفرغًا للجبهة مع الاحتلال، ومرة أخرى الجبهة مع الاحتلال ليست فقط غزة، وآثم من يحصر مقاومة حماس في غزة.

رابعًا: حماس ليست دولة عظمى، وهي محاصرة من قبل الكيان الصهيوني وأنظمة عربية (على رأسها نظام السيسي)، ومن يعتقد أن وجود حماس في حكم غزة كان من الممكن أن يستمر بهذه الطريقة للأبد فهو واهم.

ومن كان يظن أن الصهاينة والأمريكان سيسكتون على وجود حماس في غزة بكامل قوتها دون أن يفعلوا شيئًا فهو لا يفقه طبيعة الصراع مع الصهاينة.

فكان لا بد من التنازلات والمناورات لعل وعسى تتجنب حماس مصيرًا أكثر سوءًا، وقد تنجح في دفع ما هو أسوأ وقد لا تنجح.

خامسًا: لا يعني كل ما سبق أن حماس رفعت الراية البيضاء ولغت مشروعها لتحرير فلسطين، بل هي تتلمس الطريق بحذر للخروج من هذا المأزق ولتواصل طريق المقاومة.

سادسًا: أكرر ما أقوله دائمًا أن الحل الجوهري هو بفتح جبهات المقاومة كلها ضد الاحتلال الصهيوني، فحماس لا تستطيع الصمود للأبد وحدها في غزة مهما تنازلت وقدمت.

يجب فتح جبهة الضفة بقوة أكبر، ويجب فتح جبهة الداخل المحتل عام 1948م، ويجب فتح جبهة الخارج، والمقصود جبهات عسكرية وسياسية وجماهيرية دون أي سقف يقيدها.


فمهمة تحرير فلسطين أكبر من حماس وأكبر من غزة وحتى أكبر من الشعب الفلسطيني وحده، ففلسطين لا تحررها الأحلام والأوهام، بل الأفعال والتضحيات.

ليست هناك تعليقات: